الأحد، 15 مايو 2016

التشبه بالكفار- عبدالرحمن المقيبلي

الحمد لله العلي الأعلى , الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى،
وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لاشريك له خلق الأرض والسماوات العُلَى،
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله النبيُّ المُجتَبَى، والرسولُ المُرتضَى، والحبيبُ المُفتدَى،
صلى الله وسلم وبارك عليه ,  وعلى آله وصحبه أهل البرِّ والتُّقَى
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى
واعلموا أن  كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهُ باطِل.........  
وكلُّ نعيمٍ لا مَحالة َ زائِلُ
وكل ابن أنثى ولو تطاول عمره ......     إلى الغاية القصوى فللقبر آيل
وكلُّ امرىء ٍ يَوْماً سيعرفُ سعيهُ  ..... إذا كُشِّفَتْ عندَ الإلَهِ الحصائل


( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عِبَادَ اللهِ
نتكلم  اليوم عن موضوع كان من المفروض أن لانتكلم فيه , وكان من المناسب  أن نعرض عنه
, وكان من الأولى والأجدر ألا نخوض فيه , ولكن بسبب انتشار مَا لا يَخْفَى عليكم مِنْ وَسَائِلِ
إعلام حديثه,ومن قنوات فضائية وشباكات تواصل إجتماعية  حتى صَارَ مَا يَحْدُثُ فِي أَقْصَى
الْأَرْضِ يَعْرِفُهُ مَنْ بِأَدْنَاهَا ، وحتى ذابت الحواجز بين الثقافات والأديان والحضارات
لذا وجب علينا بيان هذا الأمر حتى يَصِيرَ الْمُؤْمِنُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ .
ألا وهو التحذير من  التشبه بالكافرين , ومشاركتهم في احتفالاتهم  وأعيادهم  , كاحتفالهم
بعِيدُ مِيلَادِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعِيدُ رَأْسِ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ،
ومشاركة النصارى في ذلك , وتهنئتهم به , وتقليد الكفار في ملابسهم وقصات شعرهم وغيرها
مما يندى له الجبين
خصوصا بعد إخْتِلَاطِ المسلمين بِكَثِيرٍ مِنَ الكفار في أعمالهم وتجارتهم وَوُصُولِ إِعْلَامِهِمْ إِلَى
بُيُوتِنَا ، وكذلك كثرة السفر إلى الخارج بشكل لم يكن معروفا إلى عهد قريب وذلك من خلال
السياحة الخارجية وبرنامج  الإبتعاث الخارجي  والدورات وغيرها
أيها المؤمنون
أنَّ دِيْنَكُمْ الذِي تَدِينُونَ الله بِهِ قَدْ أَكْمَلَهُ لَكُمْ رَبُّكُمْ، وَرَضِيَهُ لَكُمْ شِرْعَةً وَمَنْهَجَاً، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ أَعَزَّهُ
اللهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَذَلَّهُ اللهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ قَصَمَهُ اللهُ.
وكتب الله على عباده أن كل أمة تستبدل الضلال بالهدى , وتتخلى عن خصائصها وتخجل من
مبادئها,  أنها أمة لا تزال في تقهقر وانحطاط ,وتلاش واضمحلال, في فكرها وقوتها وسلوكها.
وإِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ ، أيها المؤمنون  وَتَقْلِيدَهِمْ، وَالسَّعْيَ وَرَاءَهُمْ، أَمْرٌ جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِمَقْتِهِ،
وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ،
قَالَ اللهُ -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
وَحَذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنِ اتِّبَاعِهِمْ؛ وأخبر أنه سيقع لبعض أمته
فقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى
لودخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قلنا: يا رسول الله -اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟".
أي: من غير اليهود والنصارى أعني؟
و إِنَّ الصُّوَرَ التِي انْتَشَرَتْ فِي مُجْتَمَعِنَا الْمُسْلِمِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ مُتَعَدِّدَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ؛
ومنها  الاحْتِفَالُ بِأَعْيَادِهِمْ، ومشاركة الكفار فيها كالإحْتِفَالُ بِعِيدِ رَأْسِ السَّنَةِ الميلادية، وَالْمُسَمَّى
عِنْدَهُمْ بِالْكِرِسْمَسْ، فتَعُمُّ الِاحْتِفَالَاتُ بهذا العيد أَرْجَاءَ الْأَرْضِ، وَتُفْتَتَحُ الْبَرَامِجُ وَنَشَرَاتُ الْأَخْبَارِ
بِالتَّهْنِئَةِ بِهِ، وَتُنْقَلُ شَعَائِرُ الِاحْتِفَالِ بِهِذا العيد لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ
ولاشك أن الإحْتِفَالُ بِهِ محرم، وَكَذَلِكَ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ أَوْ تهنئة به , لأي أحد وبأي وسيلة كانت
سواء برسالة جوال أو تغريدة أو رسالة واتس آب أوغيرها
قَالَ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ الْعُثَيْمِينُ -رحمه الله-: "تَهْنِئَةُ الْكُفَّارِ بِعِيدِ الْكِرِسْمَسْ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ  أَعْيَادِهِمْ الدِّينِيَّةِ حَرامٌ بِالاتِّفَاقِ،
كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ القَيِّمُ -رحمه الله- فِي كِتَابِهِ "أَحْكَامُ أَهْل الذِّمَّةِ"  حَيْثُ قَالَ:
وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ، مِثْلُ أَنْ يُهَنِّيَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ  وَصَوْمِهِمْ،
فَيَقُولُ:عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ: تَهَنَّأْ بهَذَا الْعِيدِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ
الْمُحَرَّمَاتِ،وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بَسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمَاً عِنْدَ اللهِ، وأَشَدُّ مَقْتَاً مِنَ
التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِالْخَمْرِ، وَقَتْل النَّفْسِ، وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَثِيرٌ "مِنَ النَّاسِ" مِمَّنْ لا قَدْرَ
لِلدِّينِ عِنْدَهُيَقَعُ فِي ذَلِكَ وَلا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدَاً بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ
تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللهِ وَسَخَطِهِ" [انْتَهَى كَلامُهُ -رحمه الله-].

أَيُّهَا الْمُسْلِمونَ:
وَمِنَ التَّشَبُّهِ الْمُحَرَّمِ: تَقْلِيدُ الْكُفَّارِ فِي قَصَّاتِ الشَّعَرِ أَوْ أَلْبِسَتِهِمُ الْخَاصَّةِ، كَلُبْسِ الْقُبَّعَاتِ الْخَاصَّةِ
بِهِمْ أَوِ الْمَلَابِسِ الرِّيَاضِيَّةِ التِي تَحْمِلُ شِعَارَاتِهِمْ أَوْ أَسْمَاءَهِمْ!.
وَقَدْ سُئِلَتْ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلإفْتَاءِ هَذَا السُّؤَالُ:
مَا حُكْمُ لُبْسِ الْمَلَابِسِ الرِّيَاضِيَّةِ التِي تَحْمِلُ شِعَارَاتٍ خَاصَّةً بِالْكُفَّارِ، مِثْلَ الْفَنَايِلِ الرِّيَاضِيَّةِ التِي
عَلَيْهَا شِعَارَاتُ إِيَطالْيَا أَوْ أَلْمَانِيَا أَوْ أَمْرِيكَا، أَوِ التِي مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا أَسْمَاءُ بَعْضِ اللَّاعِبِينَ الْكُفَّارِ؟
فَأَجَابَتْ: الْمَلَابِسُ التِي تَحْمِلُ شِعَارَاتِ الْكُفَّارِ فِيهَا تَفْصِيلٌ؛ كَمَا يَلِي:
أَوَّلَاً: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّعَارَاتُ تَرْمُزُ إِلَى دِيَانَاتِ الْكُفَّارِ كَالصَّلِيبِ وَنَحْوَهُ، فَلا يَجُوزُ اسْتِيرَادِ هَذِهِ
الْمَلابِسِ وَلا بَيْعِهَا وَلا لُبْسِهَا.
ثَانِيَاً: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الشِّعَارَاتُ تَرْمُزُ إِلَى تَعْظِيمِ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ بَوَضْعِ صُورَتِهِ، أَوْ كِتَابَةِ اسْمِهِ،
وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهِيَ أَيْضَاً حَرَامٌ كَذَلِكَ.
ثَالِثَاً: إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشِّعَارَاتُ لا تَرْمُز إِلَى عِبَادَةٍ، وَلا تَعْظِيمِ شَخْصٍ، وَإِنَّمَا هِيَ عَلامَاتٌ تِجَارِيَّةٌ
مُبَاحَةٌ، وَهِيَ مَا يُسَمَّى بِالْمَارْكَاتِ فَلا بَأْسَ بِهَا [انْتَهَتِ الْفَتْوَى].
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله
إن من  التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ أيضا
التَّكَلُّمَ بِلُغَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَتَجِدُ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَاصَّةً الشَّبَابُ يُحَيِّي بَعْضَهُمْ بَعْضَاً بِهَا
وَيَخْتِمُ لِقَاءَهُ بِهَا، وَيَرَوْنَ هَذَا تَمَدُّنَاً وَتَقَدُّمَاً، بَلْ تَجِدُهُ يَتَكَلَّمُ الأَعْجَمِيَّةَ مَعَ بَعْضِ أَهْلِهَا الذِينَ يُجِيدُونَ
الْعَرَبِيَّةَ، وَيَتَحَدَّثُ بِهَا فَخْرَاً وَإِعْجَابَاً بِهَا وَإِظْهَارَاً لِمَعْرِفَتِهِ بِهَا.
وَسُبْحَانَ اللهَ! أَيْنَ هَؤُلاءِ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: "إِيَّاكُمْ وَرَطَانَةِ الأَعَاجِمْ!".
وَالسَّلَفُ -رحمهم الله- كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّكَلُمَّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَشَدَّ الْكَرَاهِيَّةَ، وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ
فِي تَعَلُّمِهَا مَصْلَحَةً وَحَاجَةً، فَهَذَا جَائِزٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
هَذِهِ بَعْضُ الْمَظَاهِرِ التِي انْتَشَرَتْ بَيْنَنَا مِنَ التَّقْلِيدِ لِأَعْدَائِنَا وَأَعْدَاءِ شَرِيعَتِنَا الذِينَ لا يَأْلُونَ جَهْدَاً
فِي إِذْلَالِنَا، وَجَرِّنَا خَلْفَهُمْ، لِنَكُونَ تَبَعَاً لَهُمْ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِدِينِنَا وَأَنْ نَعْتَزَّ بِقِيَمِنَا وَأَنْ
نَجْتَهِدَفِي إِبْرَازِ حَضَارَتِنَا الإِسْلَامِيَّةِ وَهَوِيَّتِنَا الدِّينِيَّةِ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ وَالْفَخْرِ لِأَهْلِ الإِيمَانِ،
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ، قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق