الأحد، 15 مايو 2016

خطبة أحكام الشتاء - عبدالرحمن المقيبلي


الحمد لله مغير الأحوال ، المتفرد بالبهاء والجلال ، المتحكم بالآجال ، كريم لا يبخل ، وحليم لا يعجل ، الحكم حكمه ، والأمر أمره ، والملك ملكه ،
الحمدُ لله مَوْصُولا كما وجبا *** فهو الذي برداء العِزّة احْتَجَبا
الباطِن الظّاهرِ الحق الذي عَجَزَتْ *** عنه المدارِكُ لما أمْعَنَتْ طَلَبا
علا عنِ الوصْفِ مَن لا شيءَ يُدْرِكُه *** وجَلَّ عن سبَبٍ من أوْجَدَ السّببا
وأشهد أن لا إله إلا هو الكبير المتعال ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، قدوة العباد في الأقوال والأفعال صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الصحب والآل .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله
دخل موسم الشتاء الذي طالما فرح به الصالحون  واستبشروا بقدومه , وكيف لايفرحون
ونبيهم صلى الله عليه وسلم يقول (الشتاء ربيع للمؤمن, قَصُرَ نَهَارُهُ فَصَامَهُ، وَطَالَ لَيْلُهُ فَقَامَهُ(

وكانَ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه إذا جاءَ الشِّتاءُ قال: "مَرْحباً بالشِّتَاء تَنْزِلُ فيه البَرَكَةُ، َيَطُولُ فيه الليلُ لِلقِيامِ، وَيَقْصُر فيهِ النَّهارُ للصَّيامِ"
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟" قالوا: بلى,
فقال: "الصيام في الشتاء، وقيام ليل الشتاء".

عباد الله
لما حضرة معاذ بن جبل الوفاة , بكى فقيل له: أتجزع من الموت وتبكي ؟! فقال: " مالي لا أبكي، ومن أحق بذلك مني؟ والله ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا على دنياكم، ولكني أبكي على ظمإٍ الهواجر وقيام ليل الشتاء)
لقد أدرك سلفنا الصالح , أهمية هذا الموسم , فاجتهدوا في صيام النهار القصير , وقاموا يصلون في الليل الطويل
ولقد غفل الكثير منا , من استغلال فصل الشتاء والاستفادة من نهاره القصير بالصيام وليله الطويل بالقيام
ولو تأملنا في حالنا , لوجدنا أن أناس كثيرون كنا نعرفهم في موسم الشتاء الماضي , و هم الآن تحت التراب , قد رحلوا من هذه الدنيا
فهل كانوا يتوقعون أنهم سوف يرحلون من هذه الدنيا، وأنهم لن يدركوا شتاء هذا العام
إن الأمر خطير أيها المؤمنون
وإذا كان هذا البرد الذي نعاني منه في بعض الأحيان ، ويتمنى البعض سرعة ذهابه ، إنما هو
فقط نَفسٌ من نفس جهنم ، وجزءٌ من عذابها وزمهريرها ، فإن الله تعالى يعذب أهل النار بالبرد
كما يعذبهم بالحر ، فمهما اشتد البرد أو الحر على العبد في هذه الحياة وقاسى منه وتألم ، فإن ذلك
لا يعدو أن يكون نفساً واحداً من أنفاس النار والعياذ بالله .
قال صلى الله عليه وسلم: ( اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها
بنفسين, نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد فمن زمهريرها، وأشد ما
تجدون من الحر فمن سمومها ).
الله أكبر: النار تشتكي من بعضها، أكل بعضها بعضا, فكيف بمن يعذب فيها؟!!! نعوذ بالله من النار.
فاجتهدوا رعاكم الله في طاعته , وتوبوا إلى ربكم , واستغلوا وقت المهلة التي اعطاكم الله إياها ,

عباد الله
إن مما يعظم أجره, ويجزل جزاؤه في موسم الشتاء , اسباغ الوضوء
ومعلوم أن إسباغ الوضوء في شدة البرد، وكثرةِ الملابس على المتوضئ مما يكرهه ويشق عليه،
لكنه يفعل ذلك قربةً لله تعالى، فاستحق ما رُتب عليه من أجر عظيم.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي e قال :( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا
ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله . فقال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى
المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .
وليحذر المسلم من التقصير في إسباغ الوضوء، وترك غسل أجزاء من بعض الأعضاء، كالوجه
والكعبين، ولا سيما المرفقين، مع كثرة اللباس، وعُسْرِ حَسْرِ الأكمام عنهما.
وليحذر العبدُ من سبِّ الريح وإن آذته ببردها وشدتها؛ فإنها من الله تعالى، وقد يُصاب بالحُمى من
جراء البرد فلا يَسُبُّها أيضا؛ لأنها من الله تعالى؛ ولأنها تُحرق ذنوب العبد، وتخفف عنه، فكان فيها خير له ولو أقعدته وأسهرته وآذته.

كما ينبغي اجتناب  اللثام على الأنف والفم وقت الصلاة، فبعض الناس يغطي وجهه أو نصفه أو فمه، وهذا من مكروهات الصلاة،
ولا بأس بلبس القفازين في اليدين للصلاة عند الحاجة، ولا تعتبر حائلاً بين المصلى والمصلي

عباد الله
يَكثرُ في البرد  إيقاد النار ووسائلِ التدفئة؛ فليحذر المسلم منها؛ فإن النار عدو له، وكم من
حوادث هلك فيها أفراد وأسرٌ بسبب التساهل في ذلك،
روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَتْرُكُوا النَّارَ في بُيُوتِكُمْ
حين تَنَامُونَ) وعن أبي مُوسَى رضي الله عنه قال: "احْتَرَقَ بَيْتٌ على أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ من اللَّيْلِ فلما
حُدِّثَ رسول  الله صلى الله عليه وسلم  بِشَأْنِهِمْ قال:" إِنَّ هذه النَّارَ إنما هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فإذا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا  عَنْكُمْ"رواه البخاري ومسلم
عباد الله
مع دخول فصل الشتاء ينبغي للمؤمن أن يتلمس حاجات إخوانه الفقراء والمحتاجين فإن منهم من
لايجد كساء يحمي أجسادهم، ولا فراشا يقيهم صقيع الأرض، ولا طعاما يُقوِّي عودهم على البرد،
ولايملكون وسائل للتدفئة، ومنهم مَنْ بيوتهم مداخلُ ومخارج للهواء البارد من قلة ذات اليد،
فارحموهم رحمكم الله تعالى؛ فإنهم محتاجون إلى عونكم., ومساعدتكم
كما ينبغي تذكر اخواننا الذين شردتهم الحروب والفتن  فهم ونساؤهم وأطفالهم في ملاجئ
ومخيمات لا تقيهم من شدة البرد ، ولا تحميهم من الصقيع، في سوريا وفلسطين والعراق واليمن
، وغيرها من بلاد المسلمين
فادعوا الله -تعالى- أن يفرج عنهم، وأن يكبت عدوهم، وأن يفرغ عليهم الصبر ويثبتهم ويعينهم
على دفع الظلم عنهم وابذلوا لهم من أموالكم ما تستطيعون عبر القنوات الموثوقة، وساعدوهم
بكل ماتستطيعون عبر الجمعيات الخيرية الرسمية  فهو أقل واجب عليكم،

أتـدري كيـف قابلنـي الشتاء                وكيف تكون فيه القرفصاء
وكيـف البـرد يفعل بالثنايـا                 إذا اصطكت وجاوبها الفضـاء
وكيف نبيت فيـه على فـراش              يجور عليه في الليل الغطــاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤساً                 وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجاً               فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
يجوب الأرض من حي لحي               ولا أرض تـقيـه ولا سمـاء
معاذ الله أن ترضـى بهـذا                   وطفـل الجيـل يصرعه الشتاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق                  ولا تحـنو؟ فمنـا هذا الجفـاء
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبيَّنا 
محمدًا عبدُه ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أيها المؤمنون

في فصل الشتاء يحتاج الناس إلى معرفة أحكام المسح على الخفين  والجوربين, لأنهم يلبسونهما
بصفة مستمرة دفعا لمشقة استعمال الماء البارد. ومن تيسير الله على عباده أن رخص لهم في المسح عليهما.

وللمسح على الخفين شروط: ينبغي للمؤمن معرفتها وإدراكها

أولها: أن يلبسهما على طهارة، أي بعد الوضوء. والدليل على هذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حيث قال : كنت مع االنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال : " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين " فمسح عليهما . متفق عليه

الثاني: أن يكون الخف طاهراً, فلا يجوز المسح على خف نجس

الثالث: أن يكون الخف ساتراً لمحل الفرض, أي: مغطيا للقدم إلى الكعبين.

رابعاً: أن يكون المسح في الحدث الأصغر, وأما من أصابته جنابة فلابد من خلعهما لأن غسل الجنابة لا يصح إلا بتعميم البدن بالماء.

لحديث صفوان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم

خامساً: أن يكون المسح في المدة المقدرة شرعاً, وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها
للمسافر.
قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم . رواه مسلم

واعلم أخي المسلم أنك ان سألت عن بداية المسح ؟ ومتى تبتدأ مدة المسح ؟

فإن مدة المسح  تبدأ من المسحة الأولى لا بمجرد اللبس. فمن توضأ ثم لبس خفيه, فإن مدة المسح

تبدأ من أول مسحة, فلو لبس المؤمن خفيه لصلاة الفجر, ولم يبدأ المسح إلا الساعة الثانية عشرة

ظهراً, فإن ابتداء المدة يكون من الساعة الثانية عشر ظهرا.
واعلم أيضا رعاك الله : أن من مسح في بلده ثم سافر فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها, ومن مسح في

السفر ثم رجع إلى بلده  فإنه يمسح مسح مقيم, وهو يوم وليلة.

ويجوز المسح على الخف المخرق والشفاف.

ويجوز للمسلم أن يلبس خفين فأكثر إذا احتاج إلى ذلك.

ومن لبس خفه في وقت ثم بدا له في وقت آخر أن يلبس خفا آخر, فإنه يجوز له ذلك

ولكن  المدة هي مدة الخف الأول

ومن المشهور عند بعض الناس  أن المسح يوماً وليلة يعني أنه لا يمسح إلا خمس صلوات ،

وهذا ليس بصحيح بل التوقيت بيوم وليلة يعني أن له أن يمسح يوماً وليلة سواء صلى خمس

صلوات أو أكثر فليس لعدد الصلوات تأثير في الحكم
وأما عن كيفية المسح: فهي  أن يبل يديه بالماء ثم يمرّهما على ظهر الخفين من أطرافهما مما يلي
الأصابع إلى الساق مرة واحدة، ولو مسح اليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى، فهذا
حسن، ولو مسح كليهما بيده اليمنى فلا حرج في ذلك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق