الحمد
لله الوليِّ الحميد، ذي العرش المَجيد فعّال لما يريد، أحاط بكل شيء علمًا، وهو على كل
شيء شهيد، وما
يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو
أقرب إلى عبده
من حبل الوريد. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالقول السديد والفعل
الرشيد وعلى آله
وأصحابه أهل الفضل والتوحيد ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد
أما بعد، فاتقوا الله حقى التقوى ؛ فإن تقواه
تجلِبُ المسرَّة، وتدفعُ المضرَّة، وترفعُ المعرَّة.
(: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عباد الله
بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما في مكة المكرمة قبل الهجرة
أتي بدابة بيضاء يقال لها
البراق لونها أبيض وحجمها فوق الحمار ودون
البغل وأما سرعتها
فتضع حافرها عند منتهى طرفه , فحمل عليها وسار بصحبة جبريل عليه
السلام حتى أتى
المسجد الأقصى في فلسطين ,
فربط الدابة في حلقة المسجد , ثم صلى بالأنبياء إماما , ثم عرج
به إلى السماء
فراى عجباً وسمع عجباً ومن ضمن ما رأى
............ رأى اقواما يعذبون أنفسهم
بأنفسهم
أقوام لَهُمْ
أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فقال النبي صلى
الله عليه وسلم :( مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ
فِي أَعْرَاضِهِمْ)
فالحذر ياعبادالله من أكل لحوم الناس وغيبتهم
فالغيبة أمر قد حرمها الله ورسوله , وهي كبيرة من كبائر الذنوب
قد نهانا الله عزوجل عنها
فقال :
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ
إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ

وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ

فالله ينادينا بالإيمان ويقول
:
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ
والمؤمنون مراتب


ويخشى على المغتاب أن يكون ممن آمن بلسانه , ولم يدخل الإيمان في قلبه
قال
:
"يَا مَعْشَرَ
مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ
وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ
وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ

فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ
اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ
اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ ولو فِي جوف بَيْتِهِ".
رواه أبو داود وصححه الألباني
ثم ن الله عزوجل شبه المغتاب بالذي يأكل لحم أخيه المسلم وهو ميت
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ
"مثل الله الغيبة بأكل الميت؛ لأن الميت لا يعلم بأكل لحمه كما أن
الحي إذا اغتيب لا يعلم
بغيبة من اغتابه".
فما أبشع ذلك المنظر! وما أسوأ تلك الصورة!
صورة ذلك المسلم المنهمك في أكل لحم أخيه المسلم الذي فارق الحياة.
عباد الله
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشهد على نفسه بالزنا وأنه قد
أتى امرأة حراما
وقال للنبي صلى الله عليه وسلم , يارسول الله طهرني
فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجم بالحجارة فرجم
وفي اثناء الرجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من الأنصار يقول
أحدهما لصاحبه
، انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب،
فلما انتهوا وساروا
مر النبي صلى الله عليه وسلم بجيفة حمار شائل برجله، فقال: ((أين فلان
وفلان؟)) يعني
الأنصاريين اللذين تكلما في الرجل ، قالا: نحن ذا يا رسول الله،
قال لهما: ((كلا من جيفة هذا الحمار)) فقالا يا رسول الله: غفر الله لك
من يأكل من هذا!
فقال
: ((ما نلتما من عرض هذا
الرجل آنفًا أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه

الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها)) رواه ابن حبان، وهو حديث صحيح.
فالأمر خطير جدا ايها المؤمنون , والغيبة أمرها خطير وذنبها عظيم , فلنحذر
منها ونتوب
من الوقوع فيها
احْفَظْ لَسَانَكَ
أيُّهَا الإِنْسَانُ *** لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ *** قَدْ كَانَ هَابَ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ *** قَدْ كَانَ هَابَ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة رضي الله عنهم كما عند مسلم
( أتدرون مالغيبة ) ؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال الغيبة: ((ذكرك أخاك
بما يكره))
قالوا يارسول الله : أريت إن كان في أخي ما أقول، ( يعني مانقوله فيه صحيح
فنحن لم نفتري ولم نكذب عليه وكل مانقول فيه من عيوب وأخطاء ونقائص هو واقع فيها)
فقال صلى الله عليه وسلم ((إن كان
فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)).
فيالله كم يقع كثير من المسلمين في الغيبة
هذه الغيبة التي هي سبب من أسباب دخول النار
كما
في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ
الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ
مَا
فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
).
وفي رواية ( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغَ ما بلغت، يكتبُ الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ) رواه مالك.
يبقى
الله عزوجل ساخطا وغاضبا على هذا الرجل بسبب كلمة واحدة
فكيف
بمن يتكلم الكلمات تلو الكلمات وحديثه كله غيبة وذكر مساؤى خلق الله
فالأمر خطير جدا أيها المؤمنون
فلاتستسهلوا إثم الغيبة , ولا تستصغروا شأنها , ولاتحتقروها
فذنبها عظيم، وخطرها جسيم، والله عزوجل يقول:
وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ
عَظِيمٌ


وإذا
كانت عائشة رضي الله عنها قد قالت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية أنه اكذا
وكذا
, وقالت بيدها هكذا , يعني قصيرة , فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
قال
( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحرلمزجته ) رواه أبو داود.
فكيف
لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعض مجالس المسلمين اليوم
وهي
تفري في لحوم المسلمين , ولايطيب الحديث فيها عند البعض إلا بذكر عيوب الناس
والتنقص منهم
عباد
الله
كان
النبي صلى الله عليه وسلم في سفر , ومن ضمن من كان معه
أبوبكر
الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ,
وقد استأجرا خادما يخدمهما , فلما
أصبحى
في الطريق واستيقضا من النوم , فإذا بالخادم نائم لم يصنع لهم طعاما , فقال أحدهما
( إن
هذا لنئوم ) فأيقضاه من النوم , ثم قالا له : إئت رسول الله .
وقل
له : إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام وهما
- يستأدمانك، ـ أي يطلبا أيداما ليأكلا به
الخبز
فانطلق
الخادم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره
فقال له صلى الله عليه وسلم : أقرهما السلام، وأخبرهما أنهما قد
ائتدما! ففزعا لما أخبرهم الخادم
بكلام النبي صلى الله عليه وسلم
، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك
نستأدمك، فقلت: قد ائتدما. فبأي شيء ائتدمنا؟ قال ( بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إن لأرى
لحمه بين أنيابكما)) وفي رواية قال: ((إني أرى لحمه في ثناياكما))
فقالا ـ ـ فاستغفر لنا يا رسول الله، قال: ((هو فليستغفر لكما)) حديث صحيح.
أقول قولي هذا واستغفر الله
الخطبة الثانية
الحمد
لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسوله
الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله
إن من يغتاب الناس , قد عرض نفسه لسخط الله وغضبه
, ووقع فيما حرم لله عليه
وكذلك من يستمع الغيبة ويقرها
قال الإمام النووي رحمه الله:
"اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب
ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها، والله تعالى يقول في صفات المؤمنين:
وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ
[القصص:55]، ويقول جل جلاله:
إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ
أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً




وقد سئلت (اللجنة الدائمة للإفتاء) عن حكم سماع
الغيبة؟ فأجابت: سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر
الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها اهـ.
فليحذر المسلم من الغيبة ومن الأستماع إليها ومن
حضور مجالسها
وليجتهد في الذب عن عرض أخيه ما استطاع
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله
أن يعتقه من النار ))
رواه
أحمد والطبري وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم : (من رد عن عرض أخيه رد
الله عن وجهه النار يوم القيامة )
رواه الترمذي وصححه الألباني
وختاما نقول كما قال الإمام الشافعي رحمه الله
إذا أردت أن تحيا سليما من الأذى ................... وعيشك موفور
وعرضك صين
لسانك لاتذكر به عورة امرئ ....................... فكلك عورات وللناس
السن
وعينك إن أبدت إليك معايبا ..................... فصنها وقل ياعين
للناس أعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق