الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى، وقسم أحوال عباده
غنًى وفقْرا، سبحانه فهو الذي أجرى على
الطَّائعين أجْرا، وأسدَل على العاصين سترا،
سبحانه يعلم ما في اللَّيل وما تحتَ الثَّرى،
ولا يَغيب عن علمِه دبيبُ النَّمل في اللَّيل إذا
سرى،
سبحانه سبَّحت له السَّموات وأملاكُها، و
النُّجوم وأفلاكُها، والأرض وسكَّانُها، و البِحار وحيتانُها،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له خلق الأرض والسماوات
العُلَى
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله النبيُّ
المُجتَبَى، والرسولُ المُرتضَى، والحبيبُ المُفتدَى
صلى الله وسلم وبارك عليه , وعلى آله وأصحابه أهل
البرِّ والتُّقَى
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى،
وراقبوه في السر والنجوى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَـمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله
أقبل وفد بني عبد قيس إلى النبي -صلى الله عليه
وسلم- أقبلوا وكانو مشتاقين إلى لقاءه
فلما رأوه , وثبوا من رواحلهم وانطلقوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم منهم من يمشي ومنهم من
يهرول ومنهم من يسعى سعيا شديد حتى أتوا رسول
الله فأخذوا بيده فقبلوها
أما أحدهم فإنه لم يأتي معهم بل تريث حتى أناخ الإبل وعقلها واغتسل وتطيب، ولبس
أحسن
ثيابه، ثم أقبل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم
-، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- طيب
الرائحة ، حسن الثياب، قد اعتنى بركائب قومه،
فقال له -: "يا أشج عبد قيس"،
وكان فيه شجة
ظاهرة، في وجهه قال: "يا أشج عبد قيس، إن فيك لخصلتين يحبهما الله
ورسوله"الحلم والأناة".
الحلم يعني عدم الغضب، والأناة تعني التأني في
جميع الأمور
فكان -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالحلم وعدم الغضب والتأتي في تعامل الإنسان مع أمور
حياته، وإذا نظرت اليوم في بعض واقع المجتع لرأيت
أرواحا تزهق،و أموالا تذهب،
وأسراً تُشتت؛ بسبب الغضب
أقبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل يجر
رجلاً آخر بِنِسْعَةٍ ، يعني قد ربطه بحبل من جلد
فهو يجره إلى النبي –صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، انظر هذا، قد قتل أخي.
فالتفت
النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الرجل المربوط
وقال له: "أحقا قد قتلته؟". قال: نعم يا رسول الله
قد قتله، قال: "ما حمَلَكَ على ذلك؟"
فقال الرجل: يا رسول الله، كنا نحتطب فَسَبَّنِى فَأَغْضَبَنِى
فَضَرَبْتُهُ
بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ...........فانظر إلى آثار
الغضب الوخيمة
وانظر إلى السجون اليوم، كم فيها من أقوام
ارتكبوا جريمة القتل وأزهقوا الأرواح
وأسالوا الدماء البريئة! وإذا سألته: لم فعلت
ذلك؟ قال: والله بسبب الغضب!
وإذا تأملت في احوال الذين طلقوا نسائهم وجدت أن أعدادا كبيرة منهم كان سبب الطلاق هو
الغضب
ثم يدخل في مسألة هل يقع طلاق الغضبان أم لايقع
و يذهب يطوف على العلماء ويبحث عن ما يعيد إليه
زوجته، ويذكر بأنه كان غضبان!.
إذا نظرت إلى الذين ربما الآن في بعض أقسام الشرط
بسبب مشاجرات ومخاصمات إذا سألته ما
الذي حملك على ذلك؟ قال لك: حملني عليه الغضب.
مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي مسعود البدري ,
وكان أبومسعود يضرب غلاما له بسوط
وقد اشتد غضبه حتى لا يكاد يعرف من حوله
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اعلم أبا
مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"
فلم يلتقت أبومسعود من شدة الغضب
فلما دنا منه النبي صلى الله عليه وسلم وعرفه أبو
مسعود سقط سوطه من يده لهيبة النبي صلى
الله عليه وسلم
فقال: ((اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك
... منك على هذا الغلام))
فقال أبومسعود : يارسول الله هو حر لوجه الله
و كان النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله و
الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين – من بعده وسلفنا الصالح
يمسكون عن الغضب , فلا يغضبون إلا إذا نتهكت
حرمات الله
فهم يغضبون لله فقط وينتقمون له أما لأنفسهم فكان
العفو والصفح هو ديدنهم
أحبُّ مـكارمَ الأخلاق جَهدي *** وأكـره أن
أَعـيب وأن أُعابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ اللناس من يهوى السبابا
ومـن هـاب الرجـال تهيّبوه *** ومـن حقّر الرجالَ فلن يُهابا
وأصفح عن سِباب الناس حِلماً *** وشرُّ اللناس من يهوى السبابا
ومـن هـاب الرجـال تهيّبوه *** ومـن حقّر الرجالَ فلن يُهابا
دعى علي بن الحسين رضي الله عنه بماء ليتوضأ ,
فأقبلت إليه الجارية بالماء وكانت جارية
عجلا , فجلس وقامت على رأسه تصب ماء الوضوء عليه
فناداها من ناداها فألقت الإبريق الذي كان في يدها، فوقع على رأسه
, فشجه وجعل الدم يسيل،
فخافت الجارية ونضرت إليه وقد احمرت عيناه من الغضب، فقالت مباشرة
والكاظمين الغيظ، فقال: كظمت غيظي، ثم قالت:
والعافين عن الناس، قال: عفوت
عنكِ، قالت: والله يحب المحسنين، قال: أنتي حرة
لوجه الله.
كانوا يتعبدون عبادة ويتقربون لله تعالى قربة،
بان يكظم الإنسان غضبه مع قدرته على إنفاذه.
ليست القضية -أيها المسلمون- أن تكظم غيظك إذا أهانك مَن هو أقوى منك، أو أرفع
منك منصبا، أو أعلى منك ولاية ، فتقول: قد أهانني
فلان الكبير الذي هو في منصبه
رفيع،
فكظمت غيظي! لا. ليست البطولة هنا!. إنما البطولة عندما يستطيع الإنسان ان
ينتقم،
يستطيع أن يضرب، يستطيع أن يسبّ، و يشتم, ومع ذلك
يمسك نفسه عن الغضب.
قال -صلى الله عليه وسلم- "مَن كظم غيظًا
وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيِّره في أي
الحور شاء".
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا
رسول الله: دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: "لا تغضب! ولك الجنة"
لا يحملُ الحقدَ مَنْ تعلُو به الرُّتبُ **** ولا
ينالُ العُلا مَنْ طبعُه الغضبُ
أيها الأحبة الأكارم: واستعصاماً من آفة الغضب،
وسمواً لمعالي الرتب، كان من دعائه -صلى الله
عليه وسلم-: "اللهمّ إني أسألُكَ كلمةَ
الحقِّ ... في الغضبِ والرِّضا".
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ
وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن
محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله
قد علم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الغضب ربما سيطر على المسلم من غير اختياره،
قد علم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الغضب ربما سيطر على المسلم من غير اختياره،
لذا وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم كيف يتعامل مع الغضب، لو أغضبك زميلك أو
ولدك أو أهلك
أو غضبت ربما في سوق أو بعد حادث
سيارة أو في غير ذلك من المواقف،
كيف ينبغي للمسلم أن يتعامل مع نفسه؟!.
فعليك أولا إذا
غضبت: أن تقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فقد جلس النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه يوما
فإذا برجلين يستبان وأحدُهما احمَرَّ وجهُه
وانتفخَتْ
أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم: إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ،)
قالوا يارسول الله
: ماهي ؟ قال ( لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ
فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أول ما تفعل
إذا غضبتَ أن تقول : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
والأمر الثاني : أنك إذا غضبت أن تسكت
قال صلى الله عليه وسلم : "إذا غضب أحدكم
فليسكت".
الغاضب عادة لن يقول للذي أمامه: بارك الله فيك،
جزاك الله خيرا! لن يقول له هذا الكلام قطعا،
إنما هو بين أمرين إما أن يسب ويشتم ، أو يسكت أمتثال لقول النبي صلى
الله عليه وسلم "إذا
غضب أحدكم فليسكت".
فَلَرُبَّما سكَتَ الحليمُ عَنِ الأذَى ***
وفؤادُه من حَرِّهِ يتـأوَّهُ
ولَرُبَّمَا عقَدَ الحلـيمُ لسانَهُ *** حذَرَ الجوابِ وإنَّهُ لَمُفَـوَّهُ
ولَرُبَّمَا عقَدَ الحلـيمُ لسانَهُ *** حذَرَ الجوابِ وإنَّهُ لَمُفَـوَّهُ
فإذا غضب المسلم فينبغي عليه ألا يتخذ قرارا وقت
غضبه , لايتخذ قرار طلاق ولا قرار بيع أو
شراء ولا قرار فصل عامل أو إنهاء شراكة أو غير
ذلك في شؤون حياته
فالعاقل لايتخذ قرار وقت غضبه
وإذَا غضِبْتَ فكُنْ وقُورًا كاظِمًا *** لِلغيظِ
تُبصِرُ ما تقولُ وتسمعُ
فكَفــى بهِ شرفًا تَصبُّرُ ساعةٍ *** يرْضَى بِهَا عنْكَ الإلهُ وتُرفعُ
فكَفــى بهِ شرفًا تَصبُّرُ ساعةٍ *** يرْضَى بِهَا عنْكَ الإلهُ وتُرفعُ
ثالثا: من آداب الغضب أنك إذا كنت واقفا أن تجلس
فإن ذهب غضبك ولا فضطجع
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ
فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ )
كما أن
الواقف يغريه الشيطان أثناء غضبه
ليضرب أو يعتدي ، فكان عليه أن يجلس فإن
ذهب
عنه الغضب، وإلا فليضطجع، حتى يزول عنه تماما.
وكذلك من آداب الغضب أنك إذا غضبت أن تتوضأ
قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الْغَضَبَ
مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ ، وَإِنَّمَا
تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الحلم، وأن
يعيذنا من الغضب، أسأل الله أن يرزقنا حسن
الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق