الحمد
لله الواحد الأحد الفرد الصمد، إليه المستند وعليه المعتمد ،
نِعَمُه
تَترَى، وَفضلُهُ لا يُحصى، وإليه
وحدَهُ تُرفعُ الشَّكُوى
يـا من إلـيه جميـع الـخلق يبتهـل * وكـل حـيّ
علـى رحمـاه يتكـل
يـا من نأى فرأى ما
في القلـوب وما * تـحت الثرى وحجاب الليل منسـدل
أنـت المنـادى بـه في كل
حادثـة * وأنـت ملجـأ من ضاقـت به الحيـل
أنـت الغيـاث لمن سُدَّت مذاهبـه * أنـت الدليـل لمن ضـلت به السبـل
إنـا قصدنـاك والآمـال واقـعـة * عليك ، والكـل ملهـوف
ومبـتهل
فإن غفـرت فعن طَوْل وعن كـرم * وإن سطـوت ؛ فأنت
الحـاكم العـدل
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا
تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد
الله
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( بشرهذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض )
وقال "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت
مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعِز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام
وأهله، وذلاً يذل به الكفر وأهله"
فلا يشك أهل الإسلام , ولو للحظة واحدة أن النصر للمسلمين وأن العاقبة
للإسلام
وأن الرفعة لأولياء الله المؤمنين وعباده الصالحين
قال تعالى ( ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)
فالله عزوجل وعد أولياءه بالنصره والتمكين في هذه الدنيا
وهاهو تاريخ الصراع بين الحق والباطل يثبت ذلك
منذوا أن خلق الله البشرية , والنصر والتمكين في النهاية لأولياء الله
وعباده الصالحين
فهذا نوح عليه السلام بعثه الله لقومه فدعاه لعبادة الله وحده وترك الشرك وعبادة الأصنام
واستعمل معهم كل وسيلة ’ واستخدم كل طريقة (قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهار , فلم يزدهم
دعائي إلا فرارا , وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا
ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا , ثم إن دعوتهم جهارا , ثم إني أعلنت لهم وأسررت
لهم إسرارا )
فاستخدم عليه السلام معهم كل
طريقة, ولكنهم عارضوه وكذبوه وسخروا منه
وقالوا ( إنا لنراك في ضلال مبين )
وقالوا (ماهذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ) وقالوا ( ماسمعنا
بهذا في آبائنا الأولين ,
إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )
هذا رجل في ضلال هذا مجنون ( وقالوا مجنون وازدجر)
بل إنهم تمادوا في طغيانهم وهددوه بالقتل والرجم
(وقالوا لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين )
أما نوح عليه السلام فاستمر في دعوتهم صابرا على أذاهم , محتسبا في
دعوتهم , وبقي على ذلك الف سنة إلا خمسين عام ,كما قال تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة
إلا خمسين عاما)
ومع هذه المدة الطويلة ,في دعوتهم , واستخدام كل وسيلة في هدايتهم ,
واصبر على آذاهم (ما آمن معه إلا قليل)
بل إنه كلما انقرض جيل وصوا الجيل الذي بعدهم بعدم الإيمان بنوح ,
ومحاربته, وعدم الدخول في دينه
وكان الأب إذا بلغ ولده وعقل , وصاه فيما بينه وبينه , ألا يؤمن بنوح
أبدا , وألا يدخل في دينه
وازداد طغيانهم واستكبارهم في الأرض و ( قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)
إن كان عندك ربك عذاب فأت به إن كنت من الصادقين
فغضب نوح عليه السلام .... ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)
( وقال نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا, إنك إن تذرهم يضلوا
عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )
فاستجاب الله لدعاءه( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون )
ثم أمر الله عزوجل نبيه نوح
بأن يصنع سفينة , وهو في مكان لابحر فيه
فبدأ عليه السلام في صناعة هذه السفينة في الصحراء , وهو يعلم علم
اليقين بنصر الله له
وكان في اثناء صناعة السفينة
(كلما مر عليه ملاء من قومه سخروا منه ) كيف يانوح تبني سفينة في الصحراء إنك لرجل
مجنون , ويسخرون منه .
فيقول لهم (إن تسخروا منا فإنا
نسخر منكم كما تسخرون , فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )
فلما اكتمل بناء السفينة
أعطى الله عزوجل نوح عليه السلام , علامة , وهي خروج الماء من التنور
(فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين( ادخل في
هذه السفينة من كل شي ذكر وأنثى ) وأهلك إلا من سبق عليه القوم منهم , ولاتخاطبني
في الذين ظلموا إنهم مغرقون)
لاتكلمني في هؤلاء المغرقون
فقد يأتي نوح عليه السلام رقة
وعطف على قومه الما يرى عذاب الله عليهم , فأمره الله ألا يخاطب وألا يكلمه فيهم
وبالفعل جاءت العلامة , وحل غضب الله عليهم
وفار الماء من التنور , فانطلق نوح عليه السلام ومن آمن معه و ( ما
آمن معه إلا قليل )
فركبوا السفينة , فأغرق الله الكافرين ونزل بهم العذاب الأليم
قال تعالى (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر , وفجر الأرض عيونا فالتقى
الماء على أمر قد قدر)
وهكذا تكون نهاية الظالمين
يرسل الله عزوجل نبيه صالح
إلى قومه ثمود , وكان في الحجر ,
وهو مايعرف الآن بمدائن صالح
وقد أعطى الله عزوجل قوم صالح من القوة والتمكين مالم يعط أحد غيرهم
فكانوا يتخذون من سهول الأرض قصورا, وينحتون من الجبال بيوتا فارهين
وكانوا يعيشون آمنين , في
جنات وعيون, وزروع ونخل طلعها هضيم
فكان عندهم القوة والأمان والخير العظيم
ولكنهم كفروا بنعمة الله , وأشركوا بالله تعالى , وعبدوا الأصنام من
دون الله
فأرسل الله عزوجل إليهم نبي الله صالح من قومه , ومن خيارهم
فدعاهم إلى عبادة الله وحده , وترك عبادة الأصنام
و( قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) وقال( إني لكم رسول
أمين , فاتقوا الله وأطيعون )
واجتهد في دعوتهم غاية الإجتهاد , إلا أنهم رفضوا دعوته , وكفروا
بالله تعالى وأعرضوا عنه
و( قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوا
قبل هذا , أتنهانا أن نعبد مايعبد آباؤنا )
و( قالوا إنما أنت من المسحرين ) أنت مسحور, نحن نعرفك , نعرف رجاحة
عقلك لكن سحرت.
ثم ازداد طغيانهم وكفرهم , تجرأوا على نبي الله صالح
وقال (ما أنت إلا بشر مثلنا )
وقال بعضهم لبعض ( أألقي عليه الذكر من بيننا بل هو كذاب أشر)
فرفضوا دعوته , وحاربوه , وعادوا كل من دخل في الدين الحق
قال ابن كثير : رحمه الله
ذكر المفسرون أن ثمود قوم صالح اجتمعوا مرة في ناديهم , فجائهم رسول
الله صالح فدعاه إلى الله تعالى , وذكرهم ووعظهم , فقالوا له ياصالح : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة , وأشاروا إلى
صخرة هناك , إن أنت أخرجت منها ناقة صفتها
كذا وكذا , آمنا بك
( فأت بآية إن كنت من الصادقين)
ولاشك أن هذا طلب غريب , كيف يخرج من صخرة صماء ناقة عشراء
فقال لهم نبي الله صالح :
أرأيتم إن أجبتكم إلى ذلك ( إن تحقق هذا , وخرج من هذه الصخرة ناقة )
, أتؤمنون بما جئت به قالوا : نعم . فأخذ على ذلك عهودهم ومواثيقهم
ثم قام إلى مصلاه فصلى ’ ثم دعا الله عزوجل أن يخرج من هذه الصخرة
ناقة
وهم ينظرون إلى هذه الصخرة
فاستجاب الله عزوجل للدعاء , وحدثت المعجزة العظيمة , والآية الباهرة
اذ انفلقت هذه الصخرة لتخرج
منها ناقة عظيمة
وهم يرون بأعينهم هذا المنظر الهائل , وهذا القدرة العظيمة وهذا
الدليل القاطع
فقال صالح عليه السلام فرحا مسبتشرا
( هذه ناقة الله لكم آية )
لاعذر لكم أن تأمنوا بالله وحدة , وها أنتم تشاهدون الدليل القاطع على
صدق كلامي
فهل أسلموا ياترى , ما أسلم معه إلا
قليل , أما أكثرهم فاستمر على كفرهم وضلالهم
ثم قال لهم صالح عليه السلام
( هذه ناقة الله لكم آية , فذروها تأكل في أرض الله , ولاتمسوها بسوء فيأخذكم
عذاب أليم)
اتركوها ترعى حيث شاءت , في أي روض وفي أي مكان
ثم ( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم, ولاتمسوها بسوء
فيأخذكم عذاب يوم عظيم)
يوم لها ترد على الماء , ويوم لكم
فكانوا إذا وردوا الماء أخذوا الماء ليومهم ولغدهم
وكان أهل القرية جميعا , يشربون من لبن هذه الناقة ’ وكانت تكفيهم
وهكذا استمروا على هذا الحال , لايمسوها بسوء , ولايردون الماء في
اليوم الذي ترد فيه
فلما طال عليهم هذا الأمر , تضايقوا من ذلك ,( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض
ولا يصلحون)
كان عندهم تسعة رجال من أشقى عباد الله , وعلى رأسهم رجل يقال له قدار
بن سالف
اجتمع هؤلاء التسعة الأشقياء , وتناقشوا في أمر هذه الناقة
فاتفقوا على أن يعقروا الناقة ,أن يذبحوها
وزين لهم الشيطان أعمالهم
فخروجوا إلى الناقة وترصدوا له
فلما صدرت من وردها , قام أشقى القوم
قدار بن سالف فضربها فسقطت على الأرض
, فاجتمعوا عليها يضربونها بالسيوف حتى قتلوها
( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم )
فجائهم صالح لما سمع بالخبر , فقابلوه بالعناد والإستكبار
( وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين)
تتوعدنا بالعذاب إذ نحن عقرنا الناقة ’ فها نحن عقرناه وقتلنها
عندها قال نبي الله صالح (
تمتعوا في داركم ثلاثة أيام , ذلك وعد غير مكذوب)
فلما انتهت الثلاثة ايام جاءهم عذاب الله العظيم ( فأخذتهم الرجفة
فأصبحوا في دارهم جاثمين)
( فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين , فتلك بيوتهم
خاوية بما ظلموا , إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)
فهذه نهاية الضالمين, وهذه خاتمة المعتدين
وهذا النصر والتمكين دائما في النهاية لعباد الله الصالحين
كما قال تعالى ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
اقول قولي هذا واستغفر الله فاستغفروه
الخطبة الثانية