الأحد، 15 مايو 2016

خطبة عن الطلاق

الحمد لله العلي الأعلى , الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى،
وأشهد أن لا إله إلا  الله وحده لاشريك له خلق الأرض والسماوات العُلَى،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله النبيُّ المُجتَبَى، والرسولُ المُرتضَى، والحبيبُ المُفتدَى،
صلى الله وسلم وبارك عليه ,  وعلى آله وأصحابه أهل البرِّ والتُّقَى
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى
واعلموا أن  كُلُّ شيءٍ ما خَلا اللّهُ باطِل.........  
وكلُّ نعيمٍ لا مَحالة َ زائِلُ
وكل ابن أنثى ولو تطاول عمره ......     إلى الغاية القصوى فللقبر آيل
وكلُّ امرىء ٍ يَوْماً سيعرفُ سعيهُ  ..... إذا كُشِّفَتْ عندَ الإلَهِ الحصائل

عباد الله
كلمةٌ من الكلمات...  أبكت العيون، وروَّعَت القلوب ، وأجهشت الأفئدة ,
كلمة صغيرة الحجم  لكنها عظيمة الخطب
كلمة  طالما أبكت عيون الأزواج والزوجات، وطالما روَّعَت قلوب الأبناء والبنات.
إنها كلمة الطلاق , وما أدراك ما الطلاق , كلمة الوداع والفراق

فلله! كم هدمت من بيوت للمسلمين! وكم قُطِّعَت من أواصرَ للأرحامِ والمحبِّين
يا لها من ساعةٍ حزينةٍ! ويا لها من لحظة عصيبة
يوم سمعت المرأة طلاقها، فكفكفت دموعها، وودَّعت أولادها ، ووقفت على باب بيتها،
لتُلقي  النظرات الأخيرة ، على بيتٍ مليءٍ بالذكريات! مليء بالأيام الجميلة واللحظات السعيدة
أيها المؤمنون
إن موضوع الطلاق موضوع واسع , والحديث عنه متشعب , لكن الخوض فيه مهم , والعناية به ملحة ,
فقضيةَ الأُسرة ومُشكلاتها من أهم القضايا، التي يجب أن تبحث , ومن أهم الأمور التي يجب أن يوضع له الحلول والعلاج
وقد كثرة ظاهرة الطلاق اليوم , فهل تعلمون لماذا ؟
كثر الطلاق حينما فقدنا زوجا يغفر الزلة ,  ويقيل العثرة , و يعفو عن الهفوة ,
بل ويتسرع في إيقاع الطلاق لأتفه الأسباب.
كثر الطلاق اليوم حينما تربت  بعض الزوجات على أن يحقق لها ماتريد , وأن ينفذ لها ماتختار
فإن رفض الزوج , أو عجز عن تحقيق ذلك , حولت حياة الزوج إلى جحيم , فكانت النهاية الطلاق والإنفصال
كثُر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيَّعوا الأماناتِ والمسئوليات،
فيسهرون  إلى ساعات متأخِّرةٍ خارج المنزل، ويهملون الأبناء والبنات , ويحملون الزوجة كل المسؤليات
كثر الطلاق اليوم عندما تخلت المرأة عن شؤون بيتها , وكلفت الخادمة بكل شيء , وتركت مسؤلياتها تجاه بيتها وأبنائها لهذه الخادمة
كثر الطلاق اليوم لما كثرت المسْكِرات والمخدِّرات، فيدخل بيته وهو فاقد عقله , زائل فهمه ,
فتكون الزوجة والأبناء هم الضحية لهذا
كثر الطلاق حينما فقدنا الزوجة الصابرة , التتي تتحمل زوجها , وتصبر على أخطائه , من أجل
أبناءها ومن أجل نفسها  ومستقبلها ,
وأن هذا الزوج إن أَسَاءَ اليها يَوْماً فَقَدْ سَرَّها أَيَّاماً، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّها زَمَناً فَقَدِ اسْتَقَامَ لها أَزْمَاناً.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
كثر الطلاق اليوم حينما تدخّل الآباء والأمهات في شؤون الأزواج والزوجات،
فالأب يتابع ابنه المتزوج في كل صغيرة وكبيرة، فهو مازال صبي في نظره ,
والأم تتابع ابنتها في كل صغيرة وكبيرة , حتى انتهى الأمر الى الطلاق والفراق

فلا بد أن نراجع الأسباب , وأن نعالج الأخطاء
بهدي كتاب الله تعالى ’ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال تعالى  (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى  أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً
كَثِيراً) [النساء:19].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

فالواجب على كلٍّ مِن الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليهما من العشرة الحسنة ، وألا يتسلط
الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها ، وكون أمرها بيده ، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على
الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف ، ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة
للزوجة ، إما لتقصيرها في حقه ، أو لقصور في عقلها وذكائها ، وما أشبه ذلك ،
فكيف يعامِل  هذه المرأة ؟ نقول : هذا موجود في القرآن ، وفي السنّة ، قال الله تبارك وتعالى :
( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/19 ،
وهذا هو  الواقع ، قد يكره الإنسان زوجته لسببٍ ، ثم يصبر ، فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً
كثيراً ،  تنقلب الكراهة إلى محبة ، والسآمة إلى راحة ، وهكذا ،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
(لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ( يعني : لايبغض, ولايكره) إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)
فالكمال لله تعالى , ولن تجد رجلا ولا امرأة في هذه الدنيا , إلا ولديه قصور في شيء ما
وإن تم في شيء : نقص في شيء ،
بل النبي صلى  الله عليه وسلم يقول
((إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تسقيم لك على طريقة، فإن أردت أن تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقُها)).
فمهما حاول الرجل  أن تكون المرأة على وفق ما يريد؛ فإنها لن تستقيم له, و هذا أمرٌ جبلت عليه المرأة,
فإذا أدرك الزوج ذلك تجاوز عن الكثير ثم إن هذه الزوجة إن كانت قد أساءتك اليوم فهي سرتك
أياما وإن كانت أحزنتك هذا العام فقد سرّتك أعواماً؛ وانظر إلى عواقب الطلاق الأليمة، ونهاياته العظيمة،
انظر لعواقبه على الأبناء والبنات، ، فكم بُدِّد شملها، وفرّق جمعها، بسبب ما جناه الطلاق عليها.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لِشأنِه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا
عباد الله
الإسلامُ كرِه الطلاق ونفَّر منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما أحلَّ اللهُ شيئًا أبغض إليه من الطلاقِ".

ولكن حين تكون الحاجةُ إليه فهو داءٌ مُرٌّ، أباحَه الإسلام بضوابطه؛ إذ الحياة الزوجية والمعيشة
الأُسرية لا بُدَّ لها من أحد طريقين صالحين ناجِحين: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ، (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)
فشرع الطلاق ليكون مخرجا حين تسد الطرق من المعالجة والإصلاح ، وحين يتعذَّر تحقيقُ
مقاصد الزواج القائمِ على المودَّة والسكَن والتعاوُن في الحياة،

والإسلامُ حين شرعَ الطلاقَ وأباحَه نظَّمه تنظيمًا دقيقًا ليكون علاجًا ودواءً وحلاًّ
فالطلاقُ في الإسلام لا يكون إلا بعد استِنفادِ وسائل الإصلاح والاستِصلاح،

الطلاقُ الحلُّ لا بُدَّ أن يسبِقَه مُمهِّداتٌ من التروِّي والمُراجَعة، والمُعالَجات من الوعظِ والهجرِ في
المَضجَع، والتهديد من غير تعنيفٍ، والتحكيم،
وإذا لم يُفِد ذلك كلُّه وصار التوجُّه إلى الطلاق فيُترقَّبُ طُهرٌ جديدٌ لم يقَع فيه







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق