الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى، وقسم أحوال عباده غنًى وفقْرا، وأنزل
الماء وشق أسباب الثرى
وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله
بلغ الرسالة وأدى الأمانة , ونصح الأمة , وجاهد في الله حق جهاده ,
حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك , فصلوات ربي
وسلامه عليه , وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحابته الغر الميامين , ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
أما بعد : فاتقوى الله عباد الله حق التقوى , وراقبوه في السر والنجوى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَـمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله
لقد حثنا الله عزوجل في آيات كثيرة من كتابه الكريم .. على
فعل الخيرات، والمسابقة
في عمل الطاعات، والمبادرة إلى الازدياد من الحسنات،
حتى نصل أعلى المقامات، ونرتفع
إلى أعلى
الدرجات، ونكسب أعظم الأجور والهبات،
فيقول ربنا –سبحانه وتعالى(( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ))
ويقول أيضا سبحانه وتعالى (( سَابِقُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ))
ولما سمع الصحابة رضي الله عنهم هذه الآيات في الحث
على المسابقة في الطاعات , والمسارعة في الخيرات , اجتهدوا في ذلك , حتى بلغوا
الذروة في المنافسة , ووصلوا إلى القمة
–
في الصحيحين وغيرهما
– :
أنَّ رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال يارسول الله:
أنَّ رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال يارسول الله:
إني مَجْهُودٌ
– يعني أصابني الجوع والتعب –
فأراد رسول الله أن يُواسِيَهُ ، وأن يطعمه ،فأرْسَلَ إلى زوجاته أمهاتِ المؤمنين ،
الواحدة تلو الأخرى يسألها هل عندها شيء من الطعام فكانت كل واحدة
تقول : والذي بَعَثَكَ
بالحقِّ ما عندنا إلا الماء .
تسعة بيوت للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا الماء
مع أن الله عزوجل قادر أن يسير له الجبال ذهبا , لكنه صلى الله عليه
وسلم كان أزهد الناس في
الدنيا
فلما رأى النبي أنه ليس في بيته شيء توجه إلى أصحابِه فقال(مَنْ يُضِيفُ هَذَا,هذه الليلةَ ،يرحمهُ الله)
فقام مباشرة أبوطلحة الأنصاري رضي الله عنه ,
مغتنما الفرصة , مسارعا للخيرات
وقال : أنا يارسول الله
ولم يكن رضي الله عنه أكثرَ الحاضرين مالًا ، ولا أوْفَرَهُم طعامًا وشَرابًا ، ولكنَّهُ كان مِنْ أسْرَعِهِم إلى الخير .
ولم يكن رضي الله عنه أكثرَ الحاضرين مالًا ، ولا أوْفَرَهُم طعامًا وشَرابًا ، ولكنَّهُ كان مِنْ أسْرَعِهِم إلى الخير .
فأخذ الضيف وانطلق به إلى بيته ، فلما وصل إلى البيت
قالت له امرأته أم سليم: (ما هذا؟!) قال: (هذا ضيف
رسول الله صلى الله عليه وسلم!)،
فقالت له: (والذي بعث محمدا بالحق! ماعندنا إلا قوت
الصبيان , (إلا عشاء الصبيان)
فحتار رضي الله عنه في الأمر , وكما تعلمون ياعباد
الله أن الإنسان يصبر على الجوع ,
ولكن رؤيته لأطفاله وهم يبكون من الجوع لأشك أنه أمر
مؤلم فحتار رضي الله
عنه ,
ونظر في الحال , ورأى أن الرُّجوعُ
بالضيفِ وَرَدُّهُ إلى رسول الله أمر
مُحَال
فقال لها : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ , نَوِّمِي صِبيانَكِ ، و إذا أرادوا العَشَاءَ فَعَلِّلِيْهِمْ – يعني اشغليهم
فقال لها : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ , نَوِّمِي صِبيانَكِ ، و إذا أرادوا العَشَاءَ فَعَلِّلِيْهِمْ – يعني اشغليهم
بشيء حتى يناموا - ، فإذا
دَخَل الضيف فقرِّبي الطَّعامَ ، وَأَرِيهِ
أَنَّا نأكل مَعَهُ ، ثم قُومِي إلى
السراجِ فأطفئيهِ ، واتْرُكِي
الطعامَ لِضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فصنعت ذلك رضي الله عنها , ونومت صبيانها على جوعهم , ووضعت الطعام أمام
الضيف
ثم قامت وأطفأت السراج , فأكل ضيف رسول الله حتى شبع
، وهو لا يشعُرُ بحرجٍ .. ولايعلم بحال أهل البيت ، ولا يَدريْ أنَّ البيتَ كلَّهُ
جائعٌ مِنْ أجْلهِ !!! .
بَاتَ الضيفُ هَانِئَا
/ وباتَ أبو طلحةَ جائِعَا ، و بات أهل بيته جياع
، ليس في بُطُونهم شيءٌ
؛
إكرامًا لضيفٍ وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم
.
فلما أصبحوا , وأذن المؤذن لصلاة الفجر , خرج أبوطلحة كَعَادتِهِ ،
ليُصَلي الفجرَ مع النبيِّ صلى
الله عليه وسلم
/// وإذا بالوحيِ قد نزَلَ من السماءِ // وإذا بالعَمَلِ الصالحِ الذي أخفَاهُ
أبو طلحةَ في
بيتِهِ ، حتى لايعلم به أحد .. لاضيف ولانبي ولاأحد من الخلق , إذا به
ينزل قُرآنٌ يُتلى إلى يوم
القيامة . وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له:
لقد عَجِبَ اللهُ – وفي رواية : ضحِكَ
الله –
مِنْ صَنِيْعِكُما بضَيْفِكُما الليلةَ)
،
وأنزل سبحانه وتعالى قوله :
[وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وفي الحديث الصحيح
أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ,
وقالوا : يا
رسول الله .. ذهب أهل الدثور بالأجور(يعني الأغنياء) والدرجات العلى .. يصلون كما
نصلي .. ويصومون كما نصوم .. ولكن لهم أموال يتصدقون ولانتصدق , يعتقون ولانعتق ,
ولانجد مانتصدق به
فقال لهم النبي صلى الله عليه
وسلم :ألا أدلكم على
شيء إذا فعلتموه أدركتم به من قبلكم ؟ وتسبقون به من بعدكم ؟ قالوا بلى يارسول
الله ... قالوا : نعم ..
قال : تسبحون في
دبر كل صلاة (بعد كل صلاة ) ثلاثاً وثلاثين .. وتحمدون ثلاثاً وثلاثين ..
وتكبرون ثلاثاً
وثلاثين .. إنكم إذا فعلتم ذلك .. سبقتم من قبلكم ولم يدركم أحد ممن يجيء بعدكم ..
ففرح فقراء
الصحابة بذلك .. وسارعوا إلى هذا الخير , وتسابقوا إلى هذه الطاعة مباشرة
فلما صلوا وقضيت
الصلاة بدأوا مباشرة بالتسبيح والتحميد والتكبير
لم يتأخروا ,
ولم يتوانوا , مسارعة للخير , ومسابقة للطاعة
فلما سمع أغنياء
الصحابة رضي الله عنهم هذا التسبيح والتكبير . سألوهم عن ذلك , فأخبروهم بحديث
النبي صلى الله عليه وسلم لهم
, فقام الأغنياء
مباشرة بالتسبيح والتحميد والتكبير , واذا ابوبكر يسبح , وعثمان يسبح , وابن عوف
يسبح , مسابقة في الخير والطاعة
فرجع الفقراء
إلى النبي عليه السلام .. فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا الأغنياء بما علمتنا
.. ففعلوا مثلنا .. فعلمنا شيئاً آخر ..
فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..
اختصم غلام يتيم مع رجل عند النبي في نخلة , فقال النبي للرجل : «أعطه
النخلة»، فقال الرجل
: لا، قال «أعطه النخلة»، قال: لا . فلما كررها ثلاث ,
قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أعطه النخلة، ولك بها نخلة في الجنة»، فقال
الرجل: لا
فاندهش الصحابة
رضي الله عنهم من هذا الرجل , كيف يرفض نخلة في الجنة
فقام الصحابي
الجليل أبو الدحداح رضي الله عنه من بين الجلوس
وقال يارسول
الله (إنْ أنا اشتريتُ النَّخلة، ووهبتها إلى الغلام)، أَلِي نَخْلة في الجنة؟
فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : «نعم»
فقال ابوالدحداح
للرجل : أعطيك بستاني مزرعتي وفيها خمسمائة نخلة , وتعطيني هذه النخلة
فقال الرجل
مباشرة : نعم , وهبتك النخلة , وأخذت البستان
فقال أبوالدحداح
: هي لك يارسول الله ’ فأعطها الغلام , ولي نخلة في الجنة ثم خرج رضي الله
عنه متوجها إلى بستانه ليخرج متاعه وأولاده وزوجته
، والنبي صل الله عليه وسلم ينظر اليه معجبا بفعله ويقول كم من عذق رداح لابي الدحداح في الجنة , كم
من عذق رداح لابي الدحداح في الجنة
وصل أبوالدحداح إلى بستانه , فسمع صوت صبيانه يعلبون وسمع صوت أهله ,
وهم من أغنياء
المدينة , يملكون مزرعة فيها خمسمائة نخلة , وماء عذب , ومكان طيب ,
وهم الآن سيخرجون من هذا كله
فلم تطب نفسه أن يدخل عليهم , حتى لايضعف , فأصبح ينادي يا أم الدحداح
. يا أم الدحداح ..
قالت : لبيك ..... قال : اخرجي , وأخرجي المتاع والصبيان قالت : لم ،
قال قد بعت البستان
بنخلة في الجنة ، فقالت رضي الله عنها ربح البيع
ابا الدحداح ، ربح البيع ابا الدحداح ،
واخذت تحمل متاعها وتخرج متاعها وصبيانها , حتى قيل أنها كانت تخرج
التمر من أفواه
صبيانها , وتنفضه من أكمامهم , وتقول : هذا لله .
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم , فاستغفروه
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن
محمدًا عبدُه ورسوله ،
عباد
الله
هذه بعض مواقف الصحابة رضي الله عنهم
في المسارعة إلى الخيرات والسباق في الطاعات
فليكن المسلم دائما مبادرا للخيرات , سريعا في الخير , لايتأخر
ولايتردد
يسمع عن الإنفاق في سبيل الله فينفق , يسمع عن فضل الصيام , وقيام
الليل فيبادر لذلك
يعرف فضل الذكر والتسبيح
والتهليل .. فتجده مباشرة يسبح ويهلل من لحظته
يسمع عن عن فضل إدراك تكبيرة الإحرام في جماعة فيحرص على إدراكها
والإجتهاد فيها
يسمع عن عظم صلة الرحم , فلايتأخر ولايتردد بل يبارد ويسارع
يعرف عظمة التوبة ووجوبها ... فيتوب مباشرة , لا يؤخر ولا يؤجل
فكن ياعبدالله .. هكذا مبادرا للخيرات , سريعا في الخير
ولا تتأخر رعاك الله