الاثنين، 4 يونيو 2018

على أبواب العشر الأواخر



ما أسرع ما تمضي الأيام , كنا قبل أيام نهنئ أنفسنا ببلوغ رمضان
وها نحن اليوم ... نقف على أبواب العشر الأواخر من رمضان
هذه العشر التي هي مسك ختام الشهر وزبدة أيامه

والتي كان يجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم مالا يجتهد في غيرها
تقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي يجتهد في العشر الأواخر من رمضان , مالا يجتهد في غيرها
وكانت رضي الله عنها تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر , فتقول :
كان إذا دخلت العشر , أحيا ليله وأيقظ أهله , وشد مئزرة
وكان الصحابة رضي الله عنهم , والسلف الصالح يعظمون هذه العشر , ويجتهدون فيها بأنواع الخيرات

ولذلك ينبغي علينا أن نجتهد فيها , وأن نعظم هذه العشر المباركة
خصوصا أن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر

قال الله تعالى  (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه(

فلاشك أنها ليلة عظيمة , ينبغي علينا أن نسعى في إدراكها
ليلة واحدة خير وأفضل من عبادة ألف شهر
و ألف شهر بلغة الأرقام يعادل ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر

وهذه الليلة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أنها في العشر الأواخر من رمضان فقال
(التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ) لكن لم يحدد في أي ليلة من هذه العشر

لكن المؤكد أن من قام هذه العشر جميعا , أنه يدرك ليلة القدر

قال الشيخ ابن باز رحمه الله : من اجتهد في هذه العشر كلها , أدرك ليلة القدر بلا شك , وفاز بوعد الله 
( الفتاوى 15/434)

فأي فضل أعظم من هذا تجتهد في هذه الأيام المعدودة , فتفوز بهذا الأجر العظيم
و يكتب الله لك عبادة خير وأفضل من عبادة ألف شهر , ويغفر الله لك ما تقدم من ذنبك إذا اجتنبت الكبائر

ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله: موضحا معنى قيام ليلة القدر , وكيف يكون قيامها
قال : قيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير
(  الفتاوى 15/426)

لذلك ينبغي علينا أن نجتهد في هذه العشر غاية الإجتهاد حتى نفوز بهذا الأجر العظيم
ونكثر من قول ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني )

فعن عائشة رضي الله عنها قالت : يارسول الله , أريت إن وافقت ليلة القدر , ما أقول فيها ؟
( قال قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو , فاعف عني )

اسأل الله عزوجل أن يوفقنا جميعا لإغتنام هذه العشر المباركة
وأن يكتب لنا قيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا


الجمعة، 20 أبريل 2018

خطبة المسارعة في الخيرات


الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى، وقسم أحوال عباده غنًى وفقْرا، وأنزل الماء وشق أسباب الثرى
وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له  وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله
بلغ الرسالة وأدى الأمانة , ونصح الأمة , وجاهد في الله حق جهاده , حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك , فصلوات ربي وسلامه عليه , وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحابته الغر الميامين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
أما بعد : فاتقوى الله عباد الله حق التقوى , وراقبوه في السر والنجوى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
عباد الله
لقد حثنا الله عزوجل في آيات كثيرة من كتابه الكريم .. على فعل الخيرات، والمسابقة
في عمل الطاعات، والمبادرة إلى الازدياد من الحسنات، حتى نصل أعلى المقامات، ونرتفع
 إلى أعلى الدرجات، ونكسب أعظم الأجور والهبات،
فيقول ربنا –سبحانه وتعالى(( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ))
 ويقول أيضا سبحانه وتعالى (( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ))
ولما سمع الصحابة رضي الله عنهم هذه الآيات في الحث على المسابقة في الطاعات , والمسارعة في الخيرات , اجتهدوا في ذلك , حتى بلغوا الذروة في المنافسة , ووصلوا إلى القمة
في الصحيحين وغيرهما – :
أنَّ رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال يارسول الله:
 إني مَجْهُودٌيعني أصابني الجوع والتعب –
فأراد رسول الله أن يُواسِيَهُ ، وأن يطعمه  ،فأرْسَلَ إلى زوجاته  أمهاتِ المؤمنين ،
الواحدة تلو الأخرى يسألها هل عندها شيء من الطعام فكانت كل واحدة تقول : والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما عندنا إلا الماء .
تسعة بيوت للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا الماء
مع أن الله عزوجل قادر أن يسير له الجبال ذهبا , لكنه صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس في
الدنيا
فلما رأى النبي أنه ليس في بيته شيء توجه إلى أصحابِه فقال(مَنْ يُضِيفُ هَذَا,هذه الليلةَ ،يرحمهُ الله)
فقام مباشرة أبوطلحة الأنصاري رضي الله عنه , مغتنما الفرصة , مسارعا للخيرات
وقال : أنا يارسول الله
ولم يكن رضي الله عنه  أكثرَ الحاضرين مالًا ، ولا أوْفَرَهُم طعامًا وشَرابًا ، ولكنَّهُ كان مِنْ أسْرَعِهِم إلى الخير .
فأخذ الضيف وانطلق به إلى بيته ، فلما وصل إلى البيت
قالت له امرأته أم سليم: (ما هذا؟!) قال: (هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم!)،
فقالت له: (والذي بعث محمدا بالحق! ماعندنا إلا قوت الصبيان , (إلا عشاء الصبيان)
فحتار رضي الله عنه في الأمر , وكما تعلمون ياعباد الله أن الإنسان يصبر على الجوع ,
ولكن رؤيته لأطفاله وهم يبكون من الجوع لأشك أنه أمر مؤلم فحتار رضي الله عنه ,
 ونظر في الحال , ورأى  أن الرُّجوعُ بالضيفِ وَرَدُّهُ إلى رسول الله أمر مُحَال
فقال لها : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ , نَوِّمِي صِبيانَكِ ، و إذا أرادوا العَشَاءَ فَعَلِّلِيْهِمْيعني اشغليهم
بشيء حتى يناموا - ، فإذا دَخَل الضيف فقرِّبي الطَّعامَ ، وَأَرِيهِ أَنَّا نأكل مَعَهُ ، ثم قُومِي إلى
السراجِ فأطفئيهِ ، واتْرُكِي الطعامَ لِضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فصنعت ذلك رضي الله عنها , ونومت صبيانها على جوعهم , ووضعت الطعام أمام الضيف
ثم قامت وأطفأت السراج , فأكل ضيف رسول الله حتى شبع
، وهو لا يشعُرُ بحرجٍ .. ولايعلم بحال أهل البيت  ، ولا يَدريْ أنَّ البيتَ كلَّهُ جائعٌ مِنْ أجْلهِ !!! .
بَاتَ الضيفُ هَانِئَا / وباتَ أبو طلحةَ جائِعَا ، و بات أهل بيته جياع  ، ليس في بُطُونهم شيءٌ ؛
إكرامًا لضيفٍ وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما أصبحوا , وأذن المؤذن لصلاة الفجر , خرج أبوطلحة كَعَادتِهِ ، ليُصَلي الفجرَ مع النبيِّ صلى
الله عليه وسلم /// وإذا بالوحيِ قد نزَلَ من السماءِ // وإذا بالعَمَلِ الصالحِ الذي أخفَاهُ أبو طلحةَ في
بيتِهِ ، حتى لايعلم به أحد .. لاضيف ولانبي ولاأحد من الخلق , إذا به ينزل قُرآنٌ يُتلى إلى يوم
القيامة . وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: لقد عَجِبَ اللهُ – وفي رواية : ضحِكَ الله –
مِنْ صَنِيْعِكُما بضَيْفِكُما الليلةَ) ،
وأنزل سبحانه وتعالى قوله  : [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وفي الحديث الصحيح
أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ,
وقالوا : يا رسول الله .. ذهب أهل الدثور بالأجور(يعني الأغنياء) والدرجات العلى .. يصلون كما نصلي .. ويصومون كما نصوم .. ولكن لهم أموال يتصدقون ولانتصدق , يعتقون ولانعتق , ولانجد مانتصدق به
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه أدركتم به من قبلكم ؟ وتسبقون به من بعدكم ؟ قالوا بلى يارسول الله ... قالوا : نعم ..

قال : تسبحون في دبر كل صلاة (بعد كل صلاة ) ثلاثاً وثلاثين .. وتحمدون ثلاثاً وثلاثين ..
وتكبرون ثلاثاً وثلاثين .. إنكم إذا فعلتم ذلك .. سبقتم من قبلكم ولم يدركم أحد ممن يجيء بعدكم ..

ففرح فقراء الصحابة بذلك .. وسارعوا إلى هذا الخير , وتسابقوا إلى هذه الطاعة مباشرة
فلما صلوا وقضيت الصلاة بدأوا مباشرة بالتسبيح والتحميد والتكبير
لم يتأخروا , ولم يتوانوا , مسارعة للخير , ومسابقة للطاعة

فلما سمع أغنياء الصحابة رضي الله عنهم هذا التسبيح والتكبير . سألوهم عن ذلك , فأخبروهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم لهم

, فقام الأغنياء مباشرة بالتسبيح والتحميد والتكبير , واذا ابوبكر يسبح , وعثمان يسبح , وابن عوف يسبح , مسابقة في الخير والطاعة

فرجع الفقراء إلى النبي عليه السلام .. فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا الأغنياء بما علمتنا .. ففعلوا مثلنا .. فعلمنا شيئاً آخر ..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..





اختصم غلام يتيم مع رجل عند النبي في نخلة , فقال النبي للرجل : «أعطه النخلة»، فقال الرجل
: لا، قال  «أعطه النخلة»، قال: لا . فلما كررها ثلاث , قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أعطه النخلة، ولك بها نخلة في الجنة»، فقال الرجل: لا
فاندهش الصحابة رضي الله عنهم من هذا الرجل , كيف يرفض نخلة في الجنة
فقام الصحابي الجليل أبو الدحداح رضي الله عنه من بين الجلوس
وقال يارسول الله (إنْ أنا اشتريتُ النَّخلة، ووهبتها إلى الغلام)، أَلِي نَخْلة في الجنة؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : «نعم»
فقال ابوالدحداح للرجل : أعطيك بستاني مزرعتي وفيها خمسمائة نخلة , وتعطيني هذه النخلة
فقال الرجل مباشرة : نعم , وهبتك النخلة , وأخذت البستان
فقال أبوالدحداح : هي لك يارسول الله ’ فأعطها الغلام , ولي نخلة في الجنة ثم خرج رضي الله
عنه متوجها إلى بستانه ليخرج متاعه وأولاده وزوجته
، والنبي صل الله عليه وسلم ينظر اليه معجبا بفعله  ويقول كم من عذق رداح لابي الدحداح في الجنة , كم من عذق رداح لابي الدحداح في الجنة
وصل أبوالدحداح إلى بستانه , فسمع صوت صبيانه يعلبون وسمع صوت أهله , وهم من أغنياء
المدينة , يملكون مزرعة فيها خمسمائة نخلة , وماء عذب , ومكان طيب , وهم الآن سيخرجون من هذا كله
فلم تطب نفسه أن يدخل عليهم , حتى لايضعف , فأصبح ينادي يا أم الدحداح . يا أم الدحداح ..
قالت : لبيك ..... قال : اخرجي , وأخرجي المتاع والصبيان قالت : لم ، قال قد بعت البستان
بنخلة في الجنة ، فقالت رضي الله عنها  ربح البيع  ابا الدحداح ، ربح البيع ابا الدحداح ،
واخذت تحمل متاعها وتخرج متاعها وصبيانها , حتى قيل أنها كانت تخرج التمر من أفواه
صبيانها , وتنفضه من أكمامهم , وتقول : هذا لله .

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم , فاستغفروه
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله ،
عباد الله
هذه بعض مواقف الصحابة رضي الله عنهم  في المسارعة إلى الخيرات والسباق في الطاعات
فليكن المسلم دائما مبادرا للخيرات , سريعا في الخير , لايتأخر ولايتردد
يسمع عن الإنفاق في سبيل الله فينفق , يسمع عن فضل الصيام , وقيام الليل فيبادر لذلك
يعرف  فضل الذكر والتسبيح والتهليل .. فتجده مباشرة يسبح ويهلل من لحظته
يسمع عن عن فضل إدراك تكبيرة الإحرام في جماعة فيحرص على إدراكها والإجتهاد فيها
يسمع عن عظم صلة الرحم , فلايتأخر ولايتردد بل يبارد ويسارع
يعرف عظمة التوبة ووجوبها ... فيتوب مباشرة , لا يؤخر ولا يؤجل
فكن ياعبدالله .. هكذا مبادرا للخيرات , سريعا في الخير
ولا تتأخر رعاك الله


خطبة ابوطلحة الأنصاري

الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى ، وقسم أحوال عباده غنًى وفقْرا، وأنزل الماء وشق أسباب الثرى
وأشهد أن لاإله إلا الله وحدة لاشريك وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

عباد الله

في صحيح مسلم وغيره : أن النبي  صلى الله عليه وسلم ، لما رَمَى جمرةَ العقبةِ في حجة الوداع,
ونحَرَ هديَهُ .. دعا الحلاق ، ليحلق رأسه , فبدأ الحلاق بحلق شِقِّ رأسِه الأيمن ،
والصحابة  رضي الله عنهم ينظرون إلى ذلك حتى يأخذوا شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهم يعرفون بركته صلى الله عليه وسلم , وبركة سائر جسده
فحلق الحلاق شقه الأيمن, والصحابة بالآلاف ينظرون ثم أمر بقسته بينهم
فتفرَّقَ بينهم شعرُ أكرم الخلق محمد صلى لله عليه وسلم  ، حتى إن بعضهم كان نصيبه
شعرة واحدة , وبعضهم شعرتين ، وكُلٌّ فَرِحٌ بما نال.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للحلاق : احْلِقِ الشِّقَّ الآخرَ . فحلَقَهُ .. واجتمع الشعرُ بين يديه ،
وتعلَّقَتْ به عيون الصحابة كبارا وصغارا ، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
ههنا أبو طلحة ؟ أين أبو طلحة ؟ فتقدم أبو طلحة .. واسمه زيدُ بن سهلٍ الأنصاري ... من بين
جموع الناس  فقال ها أنا ذا يارسول الله ، فأعطاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشعرَ كُلَّه //
أيُّ منزلةٍ هذه .. التي بلَغَها أبو طلحة عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!.
مع أن الناس كان فيهم  أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعلي ، وكبار المهاجرين والأنصار ،
لكن النبي صلى الله عليه وسلم اختصَّهُ دونَهم بهذا الفضل والتكريم ،،

وهذا يدعونا .. أن نرجِعَ إلى سيرة ذلك الصحابي الجليل ، لنبحثَ فيها عما تميَّزَ به
.. رضي الله عنه وأرضاه .حتى نال هذه المكانة
وإليكم بعض مواقف هذا الصحابي الجليل , التي تكشفُ لنا شخصية هذا الرجلِ العظيمِ.

عباد الله
في الصحيحين وغيرهما – :
أنَّ رجلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقال : إني مَجْهُودٌيعني أصابني الجوع والتعب –
فأراد رسول الله أن يُواسِيَهُ ، وأن يطعمه  ،فأرْسَلَ إلى زوجاته  أمهاتِ المؤمنين ،
الواحدة تلو الأخرى يسألها هل عندها شيء من الطعام فكانت كل واحدة تقول : والذي بَعَثَكَ بالحقِّ ما عندنا إلا الماء .
تسعة بيوت للنبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا الماء
مع أن الله عزوجل قادر أن يسير له الجبال ذهبا , لكنه صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس في الدنيا
فلما رأى أنه ليس في بيته شيء  توجه إلى أصحابِه فقال:(مَنْ يُضِيفُ هَذَا,,هذه الليلةَ ،يرحمهُ الله)
فبادرَ أحدُهم ، ليغتنِمَ رحمةَ الله وثوابَه ، وقال : أنا يارسول الله .
ولم يكن هذا المُتكلِّمُ أكثرَ الحاضرين مالًا ، ولا أوْفَرَهُم طعامًا وشَرابًا ، ولكنَّهُ كان مِنْ أسْرَعِهِم
إلى الخير ، ولقد كان هذا المبادر هو أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه .
فأخذ الضيف وانطلق به إلى بيته ، فلما وصل إلى البيت
قالت له امرأته أم سليم: (ما هذا؟!) قال: (هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم!)،
قالت: (والذي بعث محمدا بالحق! ماعندنا إلا قوت الصبيان , (إلا عشاء الصبيان)
فحتار رضي الله عنه في الأمر , وكما تعلمون ياعباد الله أن الإنسان يصبر على الجوع ,
ولكن رؤيته لأطفاله وهم يبكون من الجوع لأشك أنه أمر مؤلم
فحتار رضي الله عنه , ونظر في الحال , ورأى  أن الرُّجوعُ بالضيفِ وَرَدُّهُ إلى رسول الله
أمر مُحَال
فقال لها : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ , نَوِّمِي صِبيانَكِ ، و إذا أرادوا العَشَاءَ فَعَلِّلِيْهِمْيعني اشغليهم
بشيء حتى يناموا - ، فإذا دَخَل الضيف فقرِّبي الطَّعامَ ، وَأَرِيهِ أَنَّا نأكل مَعَهُ ، ثم قُومِي إلى
السراجِ فأطفئيهِ ، واتْرُكِي الطعامَ لِضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فصنعت ذلك , ووضعوا الطعام أمام الضيف وأطفأت السراج , فأكل ضيف رسول الله حتى شبع
، وهو لا يشعُرُ بحرجٍ .. ولايعلم بحال أهل البيت  ، ولا يَدريْ أنَّ البيتَ كلَّهُ جائعٌ مِنْ أجْلهِ !!! .
بَاتَ الضيفُ هَانِئَا / وباتَ أبو طلحةَ جائِعَا ، و بات أهل بيته جياع  ، ليس في بُطُونهم شيءٌ ؛ إكرامًا لضيفٍ وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما أصبحوا , وأذن المؤذن لصلاة الفجر , خرج أبوطلحة كَعَادتِهِ ، ليُصَلي الفجرَ مع النبيِّ صلى
الله عليه وسلم /// وإذا بالوحيِ قد نزَلَ من السماءِ // وإذا بالعَمَلِ الصالحِ الذي أخفَاهُ أبو طلحةَ في
بيتِهِ ، حتى لايعلم به أحد .. لاضيف ولانبي ولاأحد من الخلق , إذا به ينزل قُرآنٌ يُتلى إلى يوم
القيامة . وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لقد عَجِبَ اللهُ – وفي رواية : ضحِكَ الله –
مِنْ صَنِيْعِكُما بضَيْفِكُما الليلةَ) ،
وأنزل سبحانه وتعالى قوله  : [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

عباد الله
في موقف آخر لهذا الصحابي الجليل , ومشهد من مشاهد المبادرة إلى الخير
ما رواه الطبراني وابن حبان وغيرهما بإسناد حسن
أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يومًا لأصحاب الصفة يُقرئهم ، وقد شَدَّ على بطنه حجَرًا من
الجوع ،  وظهر عليه أثرُ الجوع ، فمرَّ عليه أبو طلحة الأنصاري  ، فرآه على هذه الحال ، فلم
يتحمَّلْ ذلك المنظر ، ولم  يُطِقْ .. أن يبْقَى كالعاجزِ مكتوفَ اليدين ، فذهب فورًا إلى بيته ، وقال
لامرأته : إني عَرَفْتُ في  وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم الجوع ، فهل عندكِ شيء ؟ قالت
: ما عندي إلا مدٌّ مِنْ  شَعِيرٍ ، إنْ جاءنا رسولُ الله وحدَهُ أشبعناه ، وإنْ جاء ومعه أحَدٌ قلَّ عنهم .
قال : اعْجِنِيْهِ وأصْلحِيهِ عسى أن ندعوَ رسولَ الله فيأكلَ عندنا ، فصنعتْ منه قُرْصًا واحدا .
وأرْسَلَ أَبُو طَلْحَةَ ربيبَهُ – ابن زوجته – وخادم الرسول أنسَ بن مالك رضي الله عنه ،أرسله
فقال : اذْهَبْ ، فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ (يعني فاتركه) حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ ، ثم
قل له : إن أبي يدعوك .وَلا يَعْلَمْ بِكَ أَحَدٌ ،
فأقبَل أنسٌ على مجلسِ النبي صلى الله عليه وسلم , فلما رآه رسول الله قال له : أَرْسَلَكَ
أَبُو طَلْحَةَ؟ قال : نعم ، فقال النبي لأصحابه : ( أجِيبُوا أبا طلحة ) ، فقام معه بضعةٌ وثمانون
رَجُلا !!!.
وأخذَ النبي صلى الله عليه وسلم بِيَدِ أنسِ بنِ مالك ، فشدَّها بيده ، وانطلق بذلك الجمعُ الغفير ،
يَشُقُّ طُرُقَاتِ المدينةِ إلى بيتِ أبي طلحة ، وأبوطلحة في بيته ليس عنده إلا قرص واحد ينتظر رسول الله
فلما اقتربوا من البيت ، تركَ النبي صلى الله عليه وسلم يد أنس ، فانطلقَ مُسْرِعًا يتقدَّمُهُمْ ، حتى
دَخَل على أبي طلحة ، فقال له: يَا أَبَتَاهُ، دَعَوْتُ رسول الله فَدَعَا أَصْحَابَهُ ، وجَاءَكَ بِهِمْ .
أكثر من ثمانون رجلا , فاغتم رضي الله عنه لهذا الموقف المحرج
وقال يا أمَّ سُليم ، قد جاء رسول  الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وليس عندنا ما نُطْعِمُهم .
قالت : اللهُ ورسولُه أعلم .
فخرَجَ ابوطلحة من بيته يستقبِلُهُمْ . وقال: يا رسولَ الله , عندنا قرص واحد رأيتُكَ طاوِيًا .. فصَنَعَتْهُ لك أمُّ سُليم.
وإِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ ، وَلَمْ يَكُ عِنْدِي مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى .

فَتَبَسَّمَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقال : (هَلُمَّ مَا عِنْدَكَ) آتني ماعندك  (إنَّ الله سيجعلُ فيه بركةً)
فوَضَع الصَّحْفَةَ بين يديْهِ ، وفيها ذلك القُرْصُ الوحِيدُ ، وعَصَرَ عكَّةَ سمْنٍ كانت عندَهم حتى
خرج منها شيءٌ يسيرٌ قطرات ، فمسَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْصَ بذلك السمن القليل ،
وقال: ( بسم الله ) . أئذن لعشرة (ادخل عشرة ) فدعا عشرة من أصحابِه ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم
دعَا عشره فأكلوا حتى شبعوا وهكذا ما زال يدعُوهمْ عشرةً عشرةً ، حتى شبِعُوا جميعًا ، ولم
ينقض شيء من الطعام ,
، وأكَلَ أهلُ البيتِ ، وجَمَعَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ ما تبقَّى فأهدَتْه لِجِيرَانِهَا.
وفي موقف ثالث
لما سمع أبوطلحة رضي الله عنه قوله تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )
وقعت هذه الآية في قلبه قبل أذنه
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يارسول الله إنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ ،
)وهو بستان بجوار المسجد النبوي , مليء بالنخل , وفيه ماء طيب عذب)
قال إنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ، أَرْجُوْ بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عند الله ،،
فَضَعْهَا يَا رَسُوْلَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : بَخٍ (بَخٍ) / ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ / ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ .. وَإِنِّي أَرَى أَنْ
تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِيْنَ . فَقَسَمَها أبو طلحةَ بين أقارِبِه صدقَةً لوجه الله .

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم فاستغفروه
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده وأشهد أن  محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
عباد الله
هذه بعض المواقف ..مِنْ سِيرةِ أبي طلحةَ الأنصاريِّ رضي الله عنه ، وفِيْها مِنَ العِبَرِ والعِظَاتِ
الشيء الكثير // لكنْ .. هناكَ مَعْنًى مُشْتَرَك ، وَصِفَةٌ جامِعةٌ ، تكرَّرَتْ في هذِهِ المواقِفِ ،
وظَهَرَتْ  بِجَلاءٍ وَوُضوحٍ ، وكانَتْ من أعْظَمِ ما تميز به هذا الصحابي الجليل

إنها ياعباد الله
صفة  المُبادَرَة , والمسارعة إلى فعل الخير
يَرَى أبوطلحة النبي صلى الله عليه وسلم.. وعليه آثارُ الجُوع ِ، فيُبادِرُ لِيَصْنَعَ له طَعَامًا ،
دُوْنَ طَلَبٍ مِنْ أحَدٍ ، ولا تَكْليفٍ ولا تَصْرِيحٍ ولا تَلْميحٍ ،
ويَسْمَعُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم ، يَدْعُو إلى إكرامِ ضيفِهِ ، فَيُبادِرُ ، ويُسْرِعُ به إلى بيتِه ، مع قِلَّةِ الإمْكَانيات ِ.
ويَسْمَعُ أَمْرَ اللهِ بالإنفاقِ ، فَيُبادِرُ لامْتِثالِه ، ويتَصَدَّقُ بأَنْفَسِ أَمْوَالِهِ وأَحَبِّها إليه .
إنها مُبادراتٌ إيْجَابيةٌ ، لم يَفْرِضْهَا عليه أَحَدٌ ، ولم يُطَالِبْهُ بها أحَد ، إلا ضَمِيرُهُ الحيُّ ، وقلبُهُ الذي
امتَلأَ بِحُبِّ اللهِ ورسولِه ، وصِدْقِ الرغبةِ فيما عند الله  سبحانه .
وبِمِثْلِ هذه المبادراتِ يَعْظُمُ الإنسانُ في ميزانِ الله ...ويرتفع قدره
فليكن المسلم مبادرا للخيرات , سريعا في الخير , لايتأخر ولايتردد
يسمع عن الإنفاق في سبيل الله فينفق , يسمع عن فضل الصيام , وقيام الليل فيبادر لذلك
يعرف  فضل الذكر والتسبيح والتهليل .. فتجده مباشرة يسبح ويهلل من لحظته
يسمع عن عن فضل إدراك تكبيرة الإحرام في جماعة فيحرص على إدراكها والإجتهاد فيها
يسمع عن عظم صلة الرحم , فلايتأخر ولايتردد بل يبارد ويسارع
يعرف عظمة التوبة ووجوبها ... فيتوب مباشرة , لا يؤخر ولا يؤجل
فكن ياعبدالله .. هكذا مبادرا للخيرات , سريعا في الخير
ولا تتأخر رعاك الله
واعْزِمْ ولا تَتَردَّدْ ، إنْ لم يكُنْ أنْتَ فَمَنْ ؟؟ وإنْ لم يَكُنِ الآنَ فَمَتَى ؟؟
وختاما ... نسأل الله عزوجل أن يوفق الجميع لفعل الخيرات , والمبادرة في الطاعات

وأن يجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما , وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما , ولايجعل فينا ولابيننا شقيا ولا محروما
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين, وانصر عبادك الموحدين
، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك  , واتبع رضاك يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالحوثية المعتدين والخوارج المارقين , اللهم عليك بهم فإنهم لايعجزونك

اللهم انصر المسلمين في الشام وفي كل مكان